Thursday, February 18, 2016

الدرس (٥٥) شرح أصول السنة

🌴الدرس (55) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله، 

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،

 

تابع : 🌸حكم من لقي الله بذنب يجب له به النار:

 

🍄المتن : لكن هناك أمة واحدة، أو قرية واحدة استثناها الله، لما جاءهاالعذاب ؛

آمنت ؛ وقبل الله توبتها ؛ وهم قوم يونس ،

كما قال الله تعالى :🌹 { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } ( يونس 98 ) ،

 

قال الله تعالى :🌹 { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) }[الصافات:139-141] ، 

وذلك أن يونس -عليه الصلاة والسلام- دعا قومه دعاهم إلى الإسلام ، فردوا دعوته ، فغضب عليهم ،

كما قال تعالى : 🌹{ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا } (الأنبياء 87 ) ، 

فقال لهم : انتظروا العذاب، تركهم ، ركب البحر ، وحصل ما حصل ، حتى أُلقي في بطن الحوت. 

 

فلما ألقي في بطن الحوت ؛ دعا الله كما قال الله تعالى : 🌼وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) } ( الأنبياء 87-88 ) ، 

 

فجلس مدة ، ثم أرسله الله مرة أخرى إلى قومه ، فما رجع إليهم ، وجدهم قد ندموا، فلما دعاهم ؛ آمنوا، 

قال الله: 🌹وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ (148)}(الصافات 147 – 148 )،

 

فيونس نبي كريم ؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :🍀 من قال : أنا خير من يونس بن متى فقد كذب " (أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه وغيرهم )

فهو نبي كريم . فلا يقول إنه خير من يونس بن متى ، وينتقصه لأجل ما بَدَرَ منه . 

ومن قال ذلك : فهو كاذب ، ولا يمكن أن يقال هذا على نبي من الأنبياء. 

 

🌺فالحاصل : أنه إذا وُجدت شروط التوبة صحت ؛ محا الله الذنب بهذه التوبة ، 

ثم إذا بُلي بذنب مرة أخرى فإن هذا الذنب الجديد يحتاج إلى توبة ؛

وهكذا ، كلما أَذْنَب ؛ استغفر ؛ وقُبِلتْ توبتُه ، لكن بالشروط السابقة .

 

🍄المتن : وقول المؤلف : "من لقي الله بذنب يجب له به النار تائباً غير مصر عليه فإن الله يتوب عليه ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات " . 

🍓هذه هي الحالة الأولى : أن يتوب من الذنب .

 

🍓الحالة الثانية : مَنْ لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا؛ فهو كفارته ،

كما جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ 

يعني : أن العبد إذا لقي الله بالذنب ، ولكن أقيم عليه الحد ؛ 

كمن زنا وهو محصن ، ثم جُلد مائة جلدة ، 

أو زنا وهو محصن ، ثم رُجم ، 

أو سرق ثم قُطعت يده ؛

فإن ذلك الحد يكون كفارة له، ويطهره الله بالحد؛

فالله أكرم من أن يجمع عليه عقوبتين : عقوبة في الدنيا ، وعقوبة في الآخرة .

فإذا أقيم عليه الحد : صار كفارة له ، أو طهارة له ، 

وإذا تاب ، فالتوبة طهارة ، وإقامة الحد طهارة 

 

🍓الحالة الثالثة: من لقي الله بالذنب ، ولم يتب ، ولم يُقَمْ عليه الحد ،

وهي التي ذكرها المؤلف بقوله : " ومن لقيه مصرا غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة فأمره إلى الله ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " .

ومعنى العبارة : أنه إذا لقي الله مصرا على الذنب ، لم يتب ،ولم يُقم عليه الحد ؛

فهذا تحت مشيئة الله : إن شاء الله غفر له بتوبته وإيمانه وإسلامه ، وأدخله الجنة من أول وهلة ، 

وإن شاء عذبه بقدر جُرمه ، وأدخله النار ثم يخرج منها ، 

قال الله تعالى:🌹 { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ } ( النساء 48 ) ،

 

🌺فتحصَّل ممَّا سبق : أن الذي مات مصرا على الذنب ، له ثلاث حالات :

🍓الحالة الأولى : أن يتوب ؛ فهذا يتوب الله عليه. 

🍓الحالة الثانية : أن لا يتوب ، لكن يقام عليه الحد ؛ فهذا أيضا ؛يمحو الله ذَنْبَهُ 

🍓الحالة الثالثة : أن لا يتوب ، ولا يُقام عليه الحد ؛ فهذا تحت مشيئة الله ، قد يغفر الله له ، وقد يعذبه. 

 

🍄المتن : ثم قال المؤلف ومن لقيه وهو كافر عذبه ولم يغفر له "؛ 

يعني : أنَّ الكافر لا حيلة فيه ؛ إذا لقي الله بالكفر الأكبر ، أو الشرك الأكبر ؛

فهذا مخلد في النار ، ولا حيلة في نجاته من عذاب الله ، ولو أراد أن يفدي نفسه بملء الأرض ذهبا ؛ 

فأنه لا يفيده ، ولا يستطيع أحد أن يُخَلِّصَهُ من عذاب الله ؛ 

ولهذا قال المؤلف ومن لقيه وهو كافر ؛ عذبه ولم يغفر له" .

 

ومن الأدلة على ذلك ؛ قال الله تعالى:🌹 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (37) } (المائدة 36-37 ) ، 

وقوله تعالى : 🌹{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ } ( آل عمران 91 ) ،

 

وقد وردت أدلة على أن من لقي الله بالذنب ، وأُقيم عليه الحد ؛ أنه يُمحى عنه الذنب ، 

ومن لقيه ولم يُقم عليه الحد ؛ فهو تحت مشيئة الله ؛ إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه ، 

 

فمن هذه الأدلة : ما رواه الشيخان : البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، من حديث عبادة بن الصامت ، 

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال  وحوله عصابة من أصحابه - : 

🍀" بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرقوا ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، 

ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ، 

فمن وفى منكم فأجره على الله ، 

ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ، 

ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عذبه ، وإن شاء عاقبه ، 

قال : فبايعته على ذلك "  ( أخرجه البخاري واللفظ له ، ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد والحميدي )

 

*******************

No comments:

Post a Comment