Wednesday, August 31, 2016

الدرس (٦٩) شرح أصول السنة

🌴الدرس (٦٩) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبد العزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله، 

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،

 

تابع: 💐الجنة والنار مخلوقتان :

 

والمقصود: أن من مات وهو ملتزم بأحكام الإسلام، ولم يُعلم عنه أنه فعل ناقضا من نواقض الإسلام؛ 

فإنه يصلى عليه، ويُستغفر له، ولا يُحجب عنه الاستغفار، 

ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أو كبيرا، 

الدليل قول الله تعالى: 🌹{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} (٨٤)،

أذ جعل العلة في كونهم لا يُصلى عليهم: الكفر؛

فدل على أن الكافر لا يُصلى عليه، ولا يُدعى له، ولا يُستغفرله، ولا يُحج عنه،

والموحد يصلى عليه، ويُدعى له، ويُستغفر له، ويُحج عنه.

 

وهذه الآية: 🌹{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ } (٨٤) ،

نزلت بعد ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي، 

 

🌷فالحاصل: أن من مات على ذنب؛ كالغيبة أو النميمة،

أو على كبيرة من الكبائر، فالأصل أنه يُصلى عليه، ويُدعى له،

ولهذا قال: ولا يحجب عنه الاستغفار، ولا تُترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا أو كبيرا، 

وأمره إلى الله تعالى.

 

لكن جاء في بعض الكبائر أنه لا يصلى عليه، 

فقد ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على من قتل نفسه) (أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وأحمد)، 

وثبت أنه لم يصل على من عليه دَيْنٌ في أول الأمر، 

وقال:🍀 "صلوا على صاحبكم" (أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه)

لكن يصلي عليه عامة الناس.

 

🌼قال العلماء: لا يصلي عليه أهل العلم؛ تحذيرا للأحياء أن لا يفعلوا مثل فعله، 

لكن يصلي عليه عامة الناس؛ فهو ليس بكافر؛ لكن الغرض تحذير الأحياء أن يعملوا مثل عمله.

وقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم(لم يصل على الزاني) (أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد وابن حبان)، وهذا في أول الأمر،

ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم، على امرأة من جهينة أتته وهي حُبلى من الزنا (أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد والدارمي).

فهذا إذا تأخر عنه أهل العلم؛ تحذيرا للأحياء، فهو حسن، لكن يصلي عليه عامة الناس

 

🍒فالخلاصة: أنه يصلى عليه ما دام أنه لم يفعل الكفر الأكبر، ولا النفاق الأكبر، ولا الشرك الأكبر، ولا الظلم الأكبر، ولا الفسق الأكبر، ولا الجهل الأكبر، ولو كان له ذنب صغير أو كبير، 

والكبائر سبق تعريفها، ونعيدها للفائدة، فنقول

هي : جمع كبيرة، والكبيرة كل ذنب ترتب عليه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة بالنار أو الغضب أو اللعنة، 

أو نُفي عن صاحبه الإيمان، أو قال: فيه النبي صلى الله عليه وسلم: 🍀"ليس منا"، 

أو تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم كما (بُرئ النبي صلى الله عليه وسلم من الصالقة والحالقة والشاقة) (أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد).

فالصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة؛

والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، 

والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، فهذه من الكبائرأيضاً .

 

فائدة : معنى قوله تعالى : 🌹{ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ } (٨٤)

أن الله تعالى نهى نبيه صلى الله عليه وسلم من الصلاة على أحد من الكفرة، 

أو القيام على قبره للدعاء بعد الدفن، 

والعلة هي : الكفر، فيبقى هذا النص عاماً يشمل كل كافر، 

فلا يصلى عليه، ولا يقام على قبره للدعاء بعد دفنه، فضلاٍ عن أن يُحج عنه، أو يُتصدق عنه،

بخلاف الموحدين من أهل القبلة، فإنه يُستغفر له، وتُصلى عليه صلاة الجنازة، 

ويجوز أداءها في المقبرة، وليست هي الصلاة المنهي عنها في المقبرة؛

لأن الصلاة المنهي عنها في المقبرة هي: الصلاة ذات الركوع والسجود،

أما صلاة الجنازة، فليس لها ركوع ولا سجود؛ بل المقصود منها الدعاء، 

فلهذا يُصلى على الميت في المقبرة، ولو بعد الدفن؛ لمن لم يصل عليه. 

 

والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات هذا الرجل، أو المرأة التي كانت تَقُمّ المسجد، ودفنوه، أو دفنوها ليلا وأخبروه قال: 🍀"دلوني على قبره" (أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد)

فذهب إلى قبره، أو قبرها فصلى عليه، 

📍فهذا دليل على أن صلاة الجنازة المقصود منها: الدعاء، 

أما الصلاة التي لها ركوع وسجود، فلا تجوز في المقبرة، 

لقوله -عليه الصلاة والسلام-: 🍀"لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" (أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد وغيرهم).

 

ولذلك لما رأى بعض الصحابة رجلا يصلي عند قبر وهو لم يعلم أنه قبر، 

قال له: القبر؛ يعنيابتعد عن القبر.

ولكن هل يدخل في قوله: "ومن مات من أهل القبلةالمنافقون أو لا يدخل؟ 

الجواب: إذا لم يظهر كفره؛ فإنه يُصلى عليه، ويُدفن في مقابر المسلمين، ويرث، ويورث. 

 

أما إذا أظهر كفره، فإنه لا يُصلى عليه؛ 

لأن المنافقين تجرى عليهم أحكام الإسلام في الظاهر؛

فمن أظهر منهم نفاقه قُتل، 

ومن لم يظهر نفاقه: يعامل معاملة المسلمين في الدنيا، 

ولكن لا يفيده هذا في الآخرة، بل يكون في الدرك الأسفل من النار.

نسأل الله السلامة والعافية.

وهذا ختام شرح هذه الرسالة النافعة،

نسأل الله للجميع العلم النافع، والعمل الصالح، ووفقنا لطاعته، وثبتنا على هداه، 

وصلى الله على محمد وآله وصحبه.

 

**********************

Thursday, August 25, 2016

الدرس (٦٨) شرح أصول السنة

🌴الدرس (٦٨) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله، 

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،

 

تابع : 💐الجنة والنار مخلوقتان :

 

وهذا الجهم لما ناظره جماعة من فلاسفة الهند من (السمنية)، شك في ربه ، وترك الصلاة أربعين يوما، والعياذ بالله،

ثم نقش الشيطان في ذهنه أن الله موجود وجودا مطلقا؛

يعني : أنه لا يُثبت لله وجوداً إلا وجوداً في الذهن فقط ، 

ولازم هذا : إنكار وجود الله !! 

فلا يستغرب منه قوله : إن الجنة والنار تفنيان. 

 

وقال أبو الهذيل العلاف، شيخ المعتزلة في القرن الثالث الهجري بفناء حركات أهل الجنة والنار ، 

وأنهم بعد مدة طويلة يجمدون ، ويكونون مثل الحجارة ؛ لا يتحركون !

وقد ناقشه الإمام ابن القيم -رحمه الله- في النونية وفي غيرها، وشنع عليه، 

وقال متهكماً به : إذا جاء هذا اليوم الذي تفنى فيه الحركات  على  فرض قولك -: فما حال من يتناول عنقودا ثم فنيت الحركات فجأة، هل يبقى على هذا الحال ؟! ويبقى مفتوح الفم ؟!

وجعل يشنع عليه، ويذكر صوراً من هذا القبيل .

فالمقصود أن هذا قول فاسد، وأفسد منه قول الجهم تفنيان. 

 

🌺والصواب قول أهل السنة والجماعة: أن الجنة والنار دائمتان أبدا ، لا تفنيان ولا تبيدان، 

قال الله تعالى عن نعيم الجنة : 🌹{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } (هود ١٠٨) ،

وقال : 🌹{ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ } (النساء ٥٧) ، 

 

وكذلك قال في النار : 🌹{ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ } (الأحزاب ٦٥) ،

وقال : 🌹{لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا } (النبأ ٢٣) ،

وقال : 🌹{وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ}(الحجر ٤٨) ،

وَقَالَ : 🌹{ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ }(البقرة ١٦٧) ،

وقال : 🌹{كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا }(الإسراء ٩٧) ،

فكل هذه النصوص تدل على دوام الجنة والنار واستمرارهما .

هذا هو الصواب الذي دلت  عليه النصوص .

 

وأشار الإمام -رحمه الله- بقوله : "فمن زعم أنهما لم تخلقا ؛ فهو مكذب بالقرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار"، 

إلى كفر المعتزلة ؛

والمعتزلة كفَّرهم بعض أهل العلم، وبعض أهل العلم بدَّعهم ، 

وظاهر كلام الإمام أحمد، أنه يكفرهم ؛ لأنه قال: "فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "، 

والمكذب بهما كافر، والمعتزلة يزعمون أنهما لم تخلقا، وتخلقان يوم القيامة، 

إذاً : فهم مكذبون بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولهذا قال الإمام أحمد : "ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار"، 

لأنه لو كان يؤمن بالجنة والنار لأثبتهما وصدق كلام الله وكلام رسوله، 

وهذا يفضي به إلى أنهم لا يؤمنون بالجنة ولا بالنار.

 

وقول الإمام -رحمه الله-: "ومن مات من أهل القبلة موحدا ؛ يصلى عليه ويستغفر له، ولا يحجب عنه الاستغفار ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أم كبيرا ، وأمره إلى الله، 

يعني : بأهل القبلة : الموحد الذي يستقبل القبلة في الصلاة يصلي ، 

كما في الحديث: 🍀"من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فذلك المسلم ، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله ، فلا تخفروا الله في ذمته" (أخرجه البخاري والنسائي )

يعني به : من التزم بدين الإسلام، واستقبل القبلة في الصلاة والذبح، ولم يفعل ناقضا من نواقض الإسلام، 

فهذا مسلم ، له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين، 

فلا يُحكم عليه بالكفر إلا إذا فعل ناقضا من نواقض الإسلام،

كما في حديث عبد الله بن مسعود: "لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" 

فمن مات من أهل القبلة؛ موحدا؛ يشهد لله بالوحدانية، وللنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، 

ولم يفعل ناقضا من نواقض الإسلام، 

والتزم بمقتضى التوحيد وحقوقه ، الذي هو العمل، منقاداً ؛ فهو مؤمن ، 

وإلا صار مثل إبليس ، مستكبرا عن عبادة الله، غير منقادٍ ، 

مع ن إبليس ، مؤمن مصدق في الباطن ، لكن ليس لديه انقياد لله ولرسوله 

 

فلا بد أن ينقاد بحقوقها، ولا بد أن يبتعد عما يناقضها، 

فإذا ذبح لغير الله أو أشرك، أو سب الله أو سب الرسول، 

أو قال الصلاة غير واجبة، أو الزنا حلال، 

أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة ، كإنكاره نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ،

أو قال: بعده نبي، أو قال: ليس خاتم النبيين، 

أو استحل محرماً مجمعاً على تحريمه ، 

وغيرها من الصور الكثيرة التي تبطل التوحيد ، وتنقضه ،

كما ينقض الحدثُ الطهارة ، فإن هذا لا يكون موحداً .

 

----------------------