Thursday, January 28, 2016

الدرس (٥٢) سرح أصول السنة

🌴الدرس (52) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله، 

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،

 

🌸قتال اللصوص والخوارج:

 

🍄المتن: قال المؤلف رحمه الله: "وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله، 

فله أن يقاتل عن نفسه وماله ويدفع عنها بكل ما يقدر، 

وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم، ولا يتبع آثارهم،ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة المسلمين،

إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك وينوي بجهده أن لا يقتل أحدا، 

فإن مات على يديه في دفعه عن نفسه في المعركة؛ فأبعد الله المقتول، 

وإن قُتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله؛رجوت له الشهادة، 

كما جاء في الأحاديث وجميع الآثار في هذا إنما أمر بقتاله، ولم يؤمر بقتله ولا اتباعه، 

ولا يُجهِز عليه إن صرع أو كان جريحا، 

وإن أخذه أسيرا فليس له أن يقتله، ولا يقيم عليه الحد، ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله؛ فيحكم فيه"

ـــــــــــــــ 

الشرح: 

من عقيدة أهل السنة في قتال اللصوص والخوارج: أنه إذا جاء لص في بيتك يريد أن يأخذ مالك،

أو في بيت غيرك، أو في أي مكان يريد أن يأخذ مالك، أو تعرَّض لك بعض الخوارج، وصال عليك، فهل لك أن تستسلم، أو تدفع عن نفسك؟

الصحيح أنَّ المرءَ يدفع عن نفسه، وعن ماله، وعن أهله.

 

ولكن عليه أن يدفع هذا اللص أو الخارجي بالأسهل فالأسهل، 

فإذا اندفع بالضرب فلا يقتله، بل يضربه حتى يندفع، أو يكسر يده مثلاً، أو يقطعها، ولا يقتله، 

فإذا كان  كما مضى  لا يندفع إلا بقطع اليد، أو الكسر؛ فله، 

وإذا اندفع بالضرب بالعصا؛ فلا يضربه بالسيف ولا بالسلاح، 

وإذا لم يندفع؛ فله أن يدفع بالأخف فالأخف، ولا ينوي قتله، بل يدفع بالأسهل فالأسهل. 

 

وإذا هرب فليس له أن يطلبه، ويقاتله؛ ما دام أنه هرب وخرج من البيت، أو من المكان، وسلمت من شره؛

فاتركه، ولا تطلبه، ولا تتبع أثره: إنما الذي يلحقه ويتبع أثره: الولا، أو الإمام، والشُّرَطُ، 

فهؤلاء هم الذي يلحقونه حتى يُؤَدَّبَ ويُقام عليه الحد أو التعزير، فهذا لولاة الأمور، 

أما أنت فليس لك أن تلحقه ثم تأخذه وتؤدبه وتضربه، أو تطلق عليه النار، 

لكن لا مانع أن تبلغ، تبلغ ولاة الأمور، وتبلغ الشَّرَطَ، حتى يؤخذ ويُؤَدَّب.

 

لكن إذا لم يندفع إلا بالقتل؛ فهو إما أن يقتلك أو تقتله، فلك قتله في هذه الحالة؛ للضرورة، لا تستسلم للقتل، 

فإن قَتَلْتَهُ؛ يقول الإمام: "أبعده الله"، وإن قتلك أنت؛ "فأنت شهيد".

ولهذا قال: في حال أنه قَتَلَكَ وأنت تدافع عن نفسك"رجوت له الشهادة، كما جاء في الأحاديث وجميع الآثار في هذا إنما أُمِر بقتاله، ولم يؤمر بقتله ولا اتباعه"، 

فأنت مأمور إذاً بقتاله لا بقتله، وهناك فرق بين الأمرين بين القتل والقتال - ، 

القتالُ دفاعٌ عن النفس؛ فإذا قاتلك تقاتلُه؛ تدفعُ عن نفسك، ولست مأموراً بقتله، ولكنك مأموراً بقتاله؛

دفاعا عن النفس، ولست مأمورا باتباعه واللحق به، وطلبه إذا هرب أو فارقك. 

 

وذكر الإمام أحمد أيضاً: أنه ليس لك أن تُجهز عليه إذا صُرِعَ، أو جُرِحَ، 

 

ما دام أنك سلمت من شره، بل يُسلّمه لولاة الأمور، أو يُسَلَّم للشُّرط،

وكذلك إن أخذته أسيرا: ليس لك أن تقتله. 

 

وليس لك أن تقيم عليه الحد؛ فبعض الناس يكون أقوى منالسارق،   

فيأخذه ويوثقه بالوثاق، ويربط يديه ورجليه، 

وقد يقول: أقْتُلُه الآن، أو أقطع يده؛ لأنه سارق!! فليس لك هذا، 

وإنما تسلمه لولاة الأمور، ولا تُقم تقم عليه الحد؛ 

لأن إقامة الحد، من شأن ولاة الأمور، ولكن ترفع أمره لهم

 

والدليل على هذا الأحاديث، ما ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:🍀 "من قتل دون ماله فهو شهيد"(أخرجه البخاري)،

وفي لفظ: "من قُتل دون أهله فهو شهيد"(أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد، وصححه الشيخ الألباني).

 

ومنها أيضالً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك"، 

قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله"، 

قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد"، 

قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار"(أخرجه مسلم واللفظ له، والنسائي وأحمد والبيهقي).

 

ومن كلام الإمام أحمد -رحمه الله- في هذا الباب؛ 

ما رواه الخلال في كتاب السنة، "قال: أخبرني عبد الملك الميموني أنه قال لأبي عبد الله  يعني: الإمام أحمد

هل علمت أحدا ترك قتال اللصوص تأثما؟ أي خشية الإثم، قال: لا، 

قلت: قوم يقولون: إن لقيتهم فقاتلهم، لا تضربه بالسيف وأنت تريد قتله، 

قال: إنما أضربه لأمنع نفسي ومالي منه، 

فإن أصيب فهل فيه، قلت: نعم يا أبا عبد الله أعلم أني أضربه بالسيف، ولست آلو قطع يده ورجله، وأشاغله عني بكل ما أمكن، قال: نعم، وقد كنت قلت له: في أن يخرج عليه؟ 

قال: وهو يدعوك حتى تخرج عليهم، هم أخبث من ذلك، 

ورأيته يعجب ممن يقول: أقاتله وأمنعه وأنا لا أريد نفسه؛أي فهذا مما لا ينبغي أن يشغل به القلب، 

له قتاله ودفعه عن نفسه بكل ما أمكنه أصاب نفسه أو بقيت"(السنن للخلال)

 

وروي بسند صحيح عن الإمام أحمد، قال: "أرى قتال اللصوص إذا أرادوا مالك ونفسك، فأما أن تذهب إليهم أو تتبعهم إذا ولوا فلا يجوز لك قتالهم"(السنن الخلال).

 

💐فالمقصود أن قتال اللصوص، وقتال الخوارج، إنما يقاتلهم الإنسان دفاعاً عن نفسه،

فلا يستعمل السلاح، وإذا اضطر إلى السلاح: فإنه يضربه بشيء يؤثر على بعض أعضائه؛

حتى يشتغل بنفسه عنه.

 

********************************

Thursday, January 7, 2016

الدرس (٥١) شرح أصول السنة

🌴الدرس (51) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله، 

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،

 

🌸(تابع)الخروج على الأئمة :

الحكمة في عدم جواز الخروج على ولي الأمر إذا فعل المعاصي والكبائر ر؛ 

لأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وبدرء المفاسد وتقليلها،

ومن قواعد الشريعة أنه: إذا اجتمع مفسدتان: كبرى وصغرى، لا يُستطاع تركهما،

لا بد من فعل واحدة من المفسدتين؛ فإنَّا نرتكب المفسدة الصغرى لتفويت الكبرى. 

 

وكذلك إذا وُجدت مصلحتان: كبرى وصغرى، لا نستطيع فعلهما؛

فإننا نفوت المصلحة الصغرى، ونفعل المصلحة الكبرى، 

فهذه قاعدة من قواعد الشرع، دلت عليها نصوص كثيرة.

فمن أدلة هذه القواعد؛ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لعائشة: 

🍀"لولا قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين"(أخرجه البخاري ومسلم)،

يعني: منعه من ذلك؛ خشية أن يكفروا؛ 

لأن قريشا أسلموا حديثا؛ ولا تتحمل قلوبهم ذلك، 

يقول: فلولا خشيتي عليهم من الردة، لفعلت ذلك؛ 

لأن الكعبة كانت قد بُنيت على بناء الجاهلية. 

 

وذلك: أن أهل الجاهلية لما تصدعت الكعبة، قبل البعثة النبوية بخمس سنين؛

هدموا الكعبة وبنوها، وقالوا  وهم كفارٌ  يومئذٍ: لا نريد أن نبني الكعبة إلا بدراهم حلال؛

ليس فيها حرام؛ يعني: كل درهم ينفقونه في بناء الكعبة؛ لا بد أن يكون حلالاً؛ الطين، والخشب، وغيرهما،

فجمعوا مالا حلالا، ثم لم يجدوا مالا من الحلال يكفي لبناء الكعبة،

وقَصَّرتْ بهم النفقه، فقالوا: نبني بعضها ونخرج بعضها،

فبنوا بعضها وأخرجوا الحِجر ستة أذرع أو سبعة أذرع، أو سبعة أذرع ولم يدخلوا الحِجْر في الكعبة؛

لأنهم لم يجدوا مالا حلالا يبنونها بها. 

 

فكان أمرُ الكعبة باقياً على ما كانت عليه زمن الجاهلية، 

فلما فُتحت مكة في السنة الثامنة من الهجرة، وأسلمت قريش لم يكن الإيمان قد تمكَّن من قلوبهم بعدُ، 

وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يريد أن يُدخل يدخل الحجر في الكعبة، 

وكانت قريش قد أخرجت الحِجْر، وجعلت بابا واحدا، بابا شرقيا، وكان مرفوعا، 

فقال النبي صلى الله عليه وسلم:🍀 "لولا أن قومك حديثُ عهد بجاهلية لأمرت بالبيت، فهُدم، فادخلت فيه ما أُخرج منه، وألزقته بالأرض وجعلت له بابين؛ بابا شرقياً وبابا غربياً، فبلغتُ به أساسً إبراهيم"(أخرجه البخاري ومسلم).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "ألم ترَى قومَك قَصَّرت بهم النفقة"،

قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟

قال: "فعل ذلك قومك ليُدخلوا مَنْ شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أن قومك حديثٌ عَهْدُهُم بجاهلية فأخافُ أن تنكر قلوبهم أن أُدخل الجَدْرَ في البيت، وأن ألصُق بابه بالأرض"(أخرجه البخاري ومسلم). 

 

فهنا تعارض أمران: نقض الكعبة وبناؤها على قواعد إبراهيم،

وخوف ارتداد من أسلم حديثاً من أهل قريش، 

فلما تعارض الأمران، وكانت مفسدة الكفر هي الراجحة،

ترك النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة على ما كانت عليه زمن الجاهلية.

 

ولهذا لما تمكن الإيمان من قلوب الناس في زمن عبد الله بن الزبير؛

لما تولى الخلافة؛ طبَّقَ هذا الحديث، وأدخل الحجر، 

ونزَّل الباب الشرقي، وفتح بابا غربيا، وصار عبد الله بن الزبير يستلم الأركان الأربعة كلها، حتى الركن الشامي والعراقي؛

لأنه لما أدخل الحجر في البيت، صارت الأركان كلها على قواعد إبراهيم،

فصار يستلم الأركان الأربعة كلها.

 

لكن نازع عبد الله بن الزبير، عبد الملك بن مروان؛

لما استتب له الأمر أخذ الحجاز، وأخذ الشام كذلك، 

ولكن كاد مروان بن الحكم أن يبايعه، لم يبق لهم آنذاك إلا بلدة واحدة في الشام، 

ثم تولى بعده عبد الملك، وجعل يأخذ الشام بلدة بلدة حتى توسع،

ثم أخذ العراق، ثم ولى الحجاج، وجعل الحجَّاجُ يقاتل، 

وجعل هَمَّهُ قتال ابن الزبير؛ فصار الحَجَّاجُ يبعث الجيوش إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير، 

حتى انتهى الأمر بقتل عبدَ الله بن الزبير، فصَلَبَهُ الحجَّاج على خشبة،

وهدم الكعبة بالمنجنيق، وأخرج الحجر، ورفع الباب، وسد الباب الغربي، 

وأعادها على ما كانت عليه في الجاهلية؛ كما هي الآن. 

 

وقد استشار أبو جعفر المنصور الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- 

هل يعيد بناء الكعبة، ويُدخل الحجر كما فعل عبد الله بن الزبير، أو يتركها على حالها؟

فأشار إليه الإمام مالك بتركها على حالها، فقال: لماذا؟ 

فقال الإمام مالك: أخشى أن تكون الكعبة ملعبة للملوك، فبقيت على ما كانت عليه. 

 

فكان رأي الإمام مالك موفقا فَسَدَّ  الباب حتى لا تكون الكعبة ملعبةً بيد الملوك؛ كلما جاء واحدٌ هَدَمَها وبَنَاها.

 

فهذا مثال من تطبيقات القاعدة السابقة، قاعدة تعارض مفسدتين: كُبرى، وصُغرى.

 

ومن تطبيقات القاعدة السابقة: مسألة ترك الخروج على وليِّ الأمر، إذا جار أو فَسَقَ،

ولا شك أن فعلَهُ هذا مفسدة، لكن الخروج عليه يترتب عليه مفاسد أكبر،

 

كاختلال الأمن، وانشقاق عصا الطاعة، وانقسام الناس؛

قسم مع ولي الأمر، وقسم مع غيره، 

وإراقة الدماء، واختلال أحوال الناس المعيشية: الزراعية، والتجارية، والتعليمية، والصناعية؛

كلها تختل، فيتربص الأعداء بهم الدوائر، تتدخل الدول الأجنبية، وغيرها.

لا شك أن هذه المفاسد أعظم وأكبر، 

وهي تربو على مفسدة كون وليّ الأمر فاسقاً أو جائراً،

ولذلك: كانت القاعدة الشرعية في مثل هذه الأحوال: أن تُرتكب المفسدة الصغرى؛ دفعاً للكبرى؛

فكان لا بُدَّ من الصبر على جوره وظلمه؛

لا شك أن هذا أسهل من الخروج عليه؛

لأن الخروج فيه إراقة الدماء، وفتن، ومصائب، واختلال الأمن، وأمور عظيمة، تقضي على الأخضر واليابس؛ فلهذا جاء الإسلام بالمنع من الخروج على ولاة الأمور.

 

ومع أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر، 

كما في قوله: 🍀"من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر"

فإن هذا لا يمنع من مناصحته مِنْ قِبَلِ أهل الحل والعقد، والعلماء، وغيرهم،

فيبلغونه الحقَّ، ويناصحونه، 

فإن قَبِل فالحمد لله، وإن لم يقبل؛ فقد أدوا ما عليهم، وأبرأوا ذمَمَهُم.

والله أعلم.

 

****************