🌴الدرس (50) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله،
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
🌸الخروج على الأئمة :
🍄المتن: قال المؤلف رحمه الله: "ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه، وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة: فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه؛ مات ميتة جاهلية. ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق".
ـــــــــــــــ
الشرح
قرر المؤلف هنا، عقيدة أهل السنة في تحريم الخروج على إمام من أئمة المسلمين،
بعد أن اجتمعت الأمة عليه، وأقروا له بالخلافة؛ بأي وجه كان؛
يعني بواحدة من الأمور الثلاثة التي فصلناها:
إما باختيار أهل الحل والعقد، أو بولاية العهد، أو بالقوة والغلبة،
ولهذا : "بأي وجه كان، بالرضا أو بالغلبة،
فقوله: "بالرضا" هذا بالاختيار والانتخاب، أو بولاية العهد،
🍄وقوله: "أو بالغلبة" أي: غلبهم بسيفه وسلطانه حتى ثبتت له الخلافة،
فلا يجوز الخروج عليه، ومن خرج عليه فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين،
وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وخالف الأحاديث، ويكون مبتدعا، فإن مات الخارج على الإمام؛ مات ميتة جاهلية.
والدليل على هذا؛ الأحاديث الصحيحة،
من ذلك: ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:🍀 "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية"،
وهذا وعيد شديد يدل على أنه مرتكب للكبيرة،
وظاهر قوله: "فمات ميتة جاهلية"، يدل على كفره؛ لأنه يموت على الجاهلية، وهذا هو الأصل،
لكن ليس المراد به هنا الكفر،
وإنما المراد هنا: الوعيد الشديد، وأنه مرتكب الكبيرة.
إذا: الخروج على ولاة الأمور من كبائر الذنوب.
🍄وفي قوله: "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر"،
أمر وتوجيه نبوي بالصبر والتحمل؛
لما يترتب على عدم الصبر من فساد عريض، ومفارقة الجماعة، وشق عصا الطاعة؛
ولأنه إذا مات على هذه الحال؛ فميتتُه جاهلية.
ومن الأحاديث في هذا الباب: ما رواه الإمام مسلم، وأحمد،والنسائي، من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 🍀"من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبية، أو يدعوا إلى عصبة، أو ينصر عَصَبَه، فقُتل فَقِتْلَةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه"
ومن ذلك: حديث أبي ذر الذي رواه الإمام مسلم، قال: "إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف"، وفي لفظ: "ولو لحبشيٍ كأن رأسه زبيبة".
فلو كان الإمام عبدا مُجَدَّعاً مقطوع الأنف والأذن، فيجبالسمع له والطاعة، ويحرم الخروج عليه، وهو من كبائر الذنوب، بل هو من شعار أهل البدع، الذين يَرَونَ الخروج على ولاة الأمور.
ولذلك: فإن الخوارج يرون الخروج على ولي الأمر إذا فَسَقَ، وارتكب كبيرة من الكبائر؛
لأنه عندهم كافر، فيوجبون قَتْلَهُ وخلْعَهُ.
وكذلك المعتزلة: يرون الخروج على ولاة الأمور إذا فعلوا الكبائر؛
بناء على أصل أصَّلوه في هذا الباب، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
فإن هذا أصل من أصولهم الخمسة؛
ستروا تحته القول: بجواز الخروج على أئمة الجَوْر بالسيف،
فخالفوا بذلك النصوص الآمرة بالصبر على جَور الأئمة، وعدم الخروج عليهم؛
إذا فسقوا، ما لم يكن كفرٌ بواح عندهم من الله فيه برهان.
فإذاً: الخروج على ولاة الأمور هو من فعل أهل البدع؛ كالخوارج والمعتزلة.
وكذلك الروافض يرون الخروج على ولاة الأمور؛
لأن الإمام عندهم لا إمامة له تَصِحّ، إلا إذا كان معصوماً،
وعلى هذا: فكل الأئمة – عندهم – إمامتهم باطلة، ويجوز الخروج عليهم.
ويَدَّعون أنَّ هؤلاء الأئمة المعصومين: اثنا عشر إماماً، نَصَّ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم،
وأولهم عليّ بن أبي طالب، ثم الإمام الثاني المعصوم:الحسن بن علي، ثم الحسين بن علي، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم محمد بن علي الباقر، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم الحسن بن علي العسكري، ثم محمد بن الحسن، الذي دخل سرداب سامراء، وهو المهدي المنتظر بزعمهم. ،
فهؤلاء الأئمة الاثنا عشر عندهم، أئمة منصوص على إمامتهم، معصومون،
وما عدا هؤلاء الأئمة؛ فولايتهم باطلة.
وأما أهل السنة والجماعة فلا يرون الخروج على ولاة الأمور إلا بخمسة شروط،
إذا وجدت؛ جاز الخروج على ولي الأمر:
الشرط الأول: أن يفعل ولي الأمر كفرا لا معصية.
الشرط الثاني: أن يكون هذا الكفر صريحا واضحا لا لبس فيه،
ولا إشكال، فإن كان فيه إشكال وشبهة؛ فلا.
الشرط الثالث: أن يكون دليل هذا الكفر واضحا من الكتاب والسنة.
لقوله صلى الله عليه وسلم: 🍀"إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" (أخرجه البخاري ومسلم)
الشرط الرابع: وجود البديل المسلم الذي يحل محله؛
لأنه إذا كان يُزالُ كافرٌ ويؤتى بدله بكافر،
مثل ما يحصل في بعضى الحكومات العسكرية، والجمهوريات، من انقلاب عسكري، ومجيء حكومة كافرة بدل حكومة كافرة؛ فإن هذا لا يُجدي.
الشرط الخامس: وجود القدرة والاستطاعة؛
لقوله تعالى🌹:{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }(التغابن 16)،ف
فإذا وُجدتْ هذه الشروط الخمسة؛ جاز الخروج، وإلا فلا.
ولذلك: فإن الشخص الذي يكون في بلدٍ تحكمه دولة كافرة وليست لديه القدرة والاستطاعة،
فلا نكلفه بالخروج، ولا نُلزمه به، فقد يترتب على ذلك شرور ومفاسد عظيمة وفتن،
ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
فعلى هذا وأمثاله، أن يسعى لتخفيف الشر ما أمكن، والتعاون على الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله:🍄 "ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس،
فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق"،
وإنما كان على غير السنة والطريق؛
لأنه وافق أهل البدع في قولهم بجواز الخروج على الأئمة؛ إن جاروا أو فسقوا.
-----------------------
No comments:
Post a Comment