Thursday, December 3, 2015

الدرس (٤٨) شرح أصول السنة

🌴الدرس (48) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله، 

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،

 

🌸السمع والطاعة للأئمة:

بعد ذلك بعد الخلفاء الراشدين صار الولاية تثبت بأحد أمرين: 

إما بولاية العهد وإما بالقوة والغلبة، 

وإذا غلب الناس في قوته وسيفه وسلطانه ثبت له الخلافة، ولو لم يكن من قريش، 

 

🌴والدليل على هذا الأحاديث الصحيحة، حديث أبي ذر، 

قال: "أمرني خليلي أن أسمع وأطيع ولو كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف"

وفي لفظ: "ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة"

فالحبشيُّ ليس من قريش، ولو حبشي، ومع ذلك: وجبتْ طاعته لمَّا تغلَّب.

فهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الباب.

 

حينئذ: إذا ثبتت له الخلافة وجب له السمع والطاعة؛ في طاعة الله وطاعة رسوله؛

لقوله تعالى:🌹 { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأمْرِ مِنْكُمْ ۖ } (النساء 59) ،

 

قال العلماء: أعاد الفعل في قوله {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ولم يُعِدْهُ مع أولي الأمر؛ 

لأن طاعة الرسول من طاعة الله، وهو لا يأمر إلا بطاعة الله. 

 

أما أولي الأمر فليست طاعته كذلك؛ فلم يُعِدْ معه الفعل؛

فدل على أن طاعة أولي الأمر إنما تكون في طاعة الله؛ فيطاع ولي الأمر، في الأمور المباحة، 

أما المعصية فلا يطاع أحدٌ فيها؛ 

فقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر: 🍀"اسمع وأطع، وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف"

يُقَيَّد بالنصوص الأخرى، التي فيها تقييد الطاعة بالمعروف،

كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: 🍀" لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف"(أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد).

فولاة الأمور إنما يطاعون في طاعة الله، وفي الأمور المباحة.

 

أما المعاصي فلا يطاع فيها ولي الأمر، 

ولكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يتمرد على ولي الأمر، ويخرج عليه، 

لكن لا يطيعه في خصوص المعصية؛ لأن خصوص المعصية ما يطاع فيها أحد، 

لا ولي الأمر، ولا غيره؛

فإذا أمرك ولي الأمر بشرب الخمر، أو الربا، أو قتل نفس بغير حق؛

فلا تطعه في ذلك، لكن ليس معنى ذلك أن تتمرد عليه، وتخرج، وتنقض بيعته، وتؤلب الناس عليه.

 

كذلك أمير الجيش، لا يطاع في المعصية، وأمير السرية لا يطاع في المعصية، 

والأب إذا أمر ابنه بالمعصية لا يطيعه، 

فإذا قال له مثلاً: اشتر دخانا أو خمرا؛ فلا يطيعه، 

وكذلك الزوجة لا تطيع زوجها في المعصية إذا أمرها بها،

وكذلك العبد إذا أمره سيده بالمعصية لا يطيعه.

لكن ليس معنى ذلك أن يتمرد العبد على سيده، ولكن لا يطيعه بخصوص المعصية.

 

وكذا الحكم بالنسبة للزوجة، والأبناء، والرعية، ليس لهم  جميعاً أن يتمردوا على من تجب عليهم طاعتهم، إذا أمروهم بالمعصية،

 

ومع ذلك لا بد من التلطف والخطاب اللين، 

يعني يخاطب الأمير بما يليق به، وبما يناسبه، بالرفق واللين، والمناصحة سراً،

ويقوم بها أهل العلم، والحل والعقد.

 

كذلك يتلطف الأب مع ابنه، والابن مع أبيه في المناصحة،

وكذا الزوجة مع زوجها، والعبد مع سيده.

 

ثبت في صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه قال : (بعث النبي الرسول صلى الله عليه وسلم سرية، وأمَّرَ عليهم رجلاً من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوا، فغضب عليهم، 

وقال: أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟

قالوا: بلى، قال: قد عزمتُ عليكم لما جمعتم حطباً وأوقدتم ناراً ثم دخلتم فيها، 

فقاموا حطباً فأوقدوا ناراً، فلما هموا بالدخول؛ فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض،

فقال بعضهم:  إنما تبعنا النبي صلى الله عليه وسلم، فراراً من النار، أفندخلها؟

فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:

🍀"لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً؛ إنما الطاعة في المعروف" أخرجه البخاري ومسلم،

فهذا وعيد شديد لو دخلوها؛ لاستمر عذاب الآخرة مع عذاب الدنيا،

ولو دخلوها ما خرجوا منها؛

لأن الطاعة إنما تكون في المعروف، فهذا دليل على أن أمير الجيش لا يطاع في المعصية.

 

قول المؤلف رحمه الله: "والسمع والطاعة للأئمة، وأمير المؤمنين البر والفاجر"، 

يعني: واجبة للأمير سواء أكان براً أو فاجراً، ولو كان فاجراً، 

ولو كان يعمل بعض الكبائر، أو يعمل بعض المعاصي؛

فإنه تثبت له الولاية، ويجبُ له السمع والطاعة، ويسمّى: أمير المؤمنين.

 

فالحاصل: أن كل من ولي الخلافة، واجتمع الناس عليه، ورضوا به، بالاختيار والانتخاب،

أو بولاية العهد من الخليفة السابق، أو غلبهم بالسيف، حتى صار خليفة، وسُمي أمير المؤمنين؛

وجب السمع له والطاعة.

 

وكذلك: فإن الغزو ماضٍ مع الخليفة والأمير، وولي الأمر،

سواء أكان ملكاً، أو رئيساً لدولة، أو رئيساً للجمهورية، فالغزو معهم للكفار ماض،

ولو كانوا فجاراً أو عندهم بعض المعاصي،

فإنها لا تقدح في ولايتهم، ووجوب طاعتهم،

وكذلك أمير الجيش يُغْزَى معه، ولو كان عنده بعض المعاصي؛

لأن هذه المعاصي تخصه، والغزو فيه مصلحة للإسلام والمسلمين؛

فنجاهد معه ونقاتل؛ ونقيم الجهاد مع الأمير، ولو كان فاجراً.

 

وقسمة الفيء كذلك يتولاه الأمير، 

والفيء: المال الذي يتركه الكفار من دون حرب، 

والغنيمة: المال الذي يأخذونه بعد الحرب؛

كل هذا يقسمه ولي الأمر، وكذلك إقامة الحدود إلى الأئمة ماض،

ليس لأحدٍ أن يطعن فيهم ولا ينازعهم، كحد الزاني، وحد السارق، وشارب الخمر، والمبدل لدينه،

فهذه الحدود يقيمها وليّ الأمر، ويُعيِّن القضاة، والمحتسبين للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر،

ليس ذلك إلا إليهم، وليس لأحد أن يطعن فيهم، ولا ينازعهم فيه.

 

وقوله: "دفع الصدقات إليهم جائزة نافذة "، 

الصدقات: هي الزكاة، والمراد بالصدقات: صدقات الفريضة،

فإذا طلب ولي الأمر الزكاة؛ تدفعها إليه، وحينئذ تبرأ ذمتك، 

ولهذا قال المؤلف: ودفع الصدقات إليهم جائزة نافعة، 

يعني صحيحة، من دفعها إليهم أجزأت عنه، برا كان أو فاجرا.

 

*******************

No comments:

Post a Comment