🌴الدرس (53) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله،
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
الشهادة للمعين بالجنة أو النار:
🍄المتن: قال المؤلف رحمه الله تعالى: "ولا نشهد على أحد من أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار؛ نرجو للصالح ونخاف عليه ونخاف على المسيء المذنب؛ ونرجو له رحمة الله".
ـــــــــــــــ
الشرح
المراد بأهل القبلة: من التزم بأحكام الإسلام، واستقبل القبلة في الصلاة،
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: 🍀"من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته" .
وهذا المسلم الذي التزم بأحكام الإسلام في الظاهر،
ولم يفعل ناقضا من نواقض الإسلام: يحكم عليه بالإسلام في الظاهر،
ولا يُشهد عليه بجنة ولا نار، لكن يُشهد بذلك على العموم،
فيقال: كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار،
ولا يُشهد على معين من أهل القبلة بجنة ولا نار،
لكن نرجو للصالح الثواب، ونخاف على المسيء المذنب العقاب.
فمن رأيناه مستقيماً على طاعة الله، وعمل الطاعات، فمثل هذا نرجو له الجنة، لكن لا نشهد له بها،
ومن رأيناه يعمل المعاصي والمخالفات، نخاف عليه من النار، ولكن لا نشهد له بها،
ولكن نشهد على سبيل العموم، فنقول – كما سبق – كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار.
أما الشهادة للمعين بالجنة: فلأهل العلم في ذلك ثلاثة أقوال:
🍂القول الأول: أنه لا يشهد للمعين إلا لمن شهدت له النصوص بذلك،
مثل العشرة المبشرين بالجنة، فهؤلاء نشهد لهم بالجنة،
كما جاء في الحديث: 🍀"الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة،
وكذلك "ابن عمر"، و"عكاشة بن محصن"، و"عبد الله بن سلام"، وكذلك "بلال" كلهم مشهود له بالجنة.
هذا هو الصواب وهذا هو الراجح.
ويضاف إلى من سبقوا : أهل بيعة الرضوان،
كما قال صلى الله عليه وسلم: 🍀"لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة"
وأهل بدر – على وجه العموم – كما شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لعمر:
🍀"وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
🍂القول الثاني: أنه لا يشهد إلا للأنبياء فقط .
🍂القول الثالث: أنه يُشهد لمن شهد له اثنان عدلان بالجنة،
🌴بدليل حديث أبي الأسود قال: قدمت المدينة وقد وقع بها مرض فجلستُ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
فمرتْ بهم جنازة فأثنى على صاحبها خيراً، فقال عمر رضي الله عنه: "وجبتْ"،
ثم مر بأخرى فأثني على صاحبها خيراً، فقال عمر رضي الله عنه: "وجبتْ"،
ثم مر بالثالثة فأُثني على صاحبها شراً، فقال: "وجبتْ"،
فقال أبو الأسود: فقلت: وما وجبتْ يا أمير المؤمنين؟
قال : قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : 🍀"أيما مسلم شهد له أربعة بخير؛ أدخله الله الجنة"
فقلنا وثلاثة، قال: "وثلاثة" فقلنا: واثنان، قال: "واثنان". ثم لم نسأله عن الواحد.
🌴ودليل آخر وهو: ما ثبت في الحديث الصحيح، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
مُرَّ بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وجبتْ"،
ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "وجبتْ"،
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ما وجبت؟
قال: 🍀"هذا أثنيتم عليه خيرا؛ وجبت له الجنة،
وهذا أثنيتم عليه شرا؛ فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض" .
🌴الدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: 🍀"يوشك أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار"،
قالوا: بم ذاك يا رسول الله؟ قال: 🍀"بالثناء الحسن، والثناء السيئ ؛ أنتم شهداء الله بعضكم على بعض".
قالوا: هذا دليل على أنه يُشهد بالجنة لمن شهد له أهل الخير وأهل العدل، دون الفساق، وأهل التفريط،
لكن من شهد له أهل الخير أهل الصلاح والتقى، بالخير، فهذا دليل على أنه من أهل الجنة.
🌺والصواب: القول الأول: إنه لا يشهد بالجنة إلا لمن شهد له النصوص،
وإلا لم يكن هناك ميزة للمبشرين بالجنة،
فلو أنَّ كُلَّ واحد يَشهد له اثنان بالجنة؛ يكون من أهلها لصار مثل المبشرين بالجنة!!
وأما حديث "أنتم شهداء الله في الأرض"، فأجاب عنه بعض العلماء، بأنه خاص بالصحابة الذين زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم وعدَّلهم.
🌺فالصواب: أنه لا يُشهد بالجنة والنار إلا لمن شهدت له النصوص.
وكذلك نشهد بالنار لمن شهدت له النصوص بذلك، كأبي لهب، وأبي جهل،
وأما من لم يَرِدْ فيه النَّصُّ؛ إذا علمنا أنه مات على الكفر، ولم يكن له شبهة، وقامت عليه الحجة،
فهذا نشهد له بالكفر، ونشهد عليه بالنار؛ إذا عُلِمَتْ خاتمته،
مثل شخص حضرته الوفاة؛ وهو يفعل الشرك، ونهيته عن الشرك، فقال: أريد الشرك، ومات على ذلك، وبلغته الحجة، فهذا يُشهد له بالكفر، ويُشهد له بالنار.
أما ما لم تعلم حاله، ولا تدري هل هو له شبهة، أو: لا، وهل قامت عليه الحجة، فلا تُكَفِّرْهُ بِعَيْنه؛ فلعله أن يكون جاهلاً، أو عنده شبهة؟
فنقول فيمن هذا حاله وأمثاله: اشهدْ بالعموم، ويكفيك أن تشهد بالعموم، وتقول على وجه العموم: كل كافر في النار، كما تقول: كل مؤمن في الجنة.
وفي الحديث: أنه لما مات طفل، قالت عائشة: يا رسول الله طوبى له! عصفور من عصافير الجنة،
قال: 🍀"وما يدريك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أقواما، خلقهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أقواما خلقهم وهم في أصلاب آبائهم" فأنكر عليها؛ لأنها شهدت له بعينه، وإن كانت النصوص دلت بعمومها على أن الأطفال في الجنة.
💐فتلخَّص من هذا: أن عقيدة أهل السنة والجماعة: أنه لا يُشهد على أحد من أهل القبلة، بجنة ولا نار، إلا من شهدت له النصوص.
أما من فعل ناقضا من نواقض الإسلام، فإنه يُحكم عليه من جهة العموم؛
فيقال: هذا كفر، وأما الشخص المُعَيَّن؛ فلا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة، وَوُجِدَتْ الشروط، وانتفت الموانع .
**********************
No comments:
Post a Comment