🌴الدرس (46) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله،
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
🌸فضل التابعين ومن بعدهم
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ثم أفضل الناس بعد هؤلاء؛ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بُعث فيهم، وكل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه؛ فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه، وكانت سابقته معه، وسمع منه ونظر إليه نظرة.
فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه، ولو لقوا الله بجميع الأعمال، كان هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا منه أفضل لصحبته، من التابعين، ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة، ولو عملوا كل أعمال الخير.
ـــــــــــــــ
🌺وكذلك: ثابت بن قيس، لما نزلت هذه الآية: :🌹 { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوالَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ }(الحجرات 2)، جلس في بيته وقال: أنا من أهل النار، واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ، فقال: "يا أبا عمرو ما شأن ثابت! اشتكى؟"
قال سعد: إن لجاري وما علمتُ له بشكوى.
قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال ثابت: أُنزلت هذه الآية،
ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنا من أهل النار،
فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:🍀 "بل هو من أهل الجنة"(أخرجه البخاري ومسلم)،
🌺كذلك، عكاشة بن محصن، شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة(حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم)،
🌺وبلال أيضاً مشهود له بالجنة،
🌺وكذلك: عبد الله بن سلام مشهود له بالجنة،
🌺والرميصاء أم أنس مشهود لها بالجنة (حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي وأحمد وابن حبان).
وهناك خلاف بين العلماء، هل أهل بدر يلون العشرة المبشرين بالجنة، أو أهل بيعة الرضوان؟
قيل: أهل بدر أولا، ثم أهل بيعة الرضوان،
وقيل: أهل بيعة الرضوان، ثم أهل بدر، ثم بعد ذلك بقية الصحابة؛
🍄ولهذا قال: "ثم أفضل الناس بعد هؤلاء؛ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بُعث فيهم"،
يعني: يلي هؤلاء في الفضيلة سائر الصحابة، ثم يليهم: القرن الثاني، وهم: التابعون،
ثم يليهم في الفضيلة: القرن الثالث، وهم: أتباع التابعين.
🌴والدليل على ذلك: ما رواه الشيخان: البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 🍀"خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم "
قال عمران: لا أدري أَذَكَرَ بعد قرنه قرنين أو ثلاثة،
والصواب: أنهما قرنان، وأن القرون المفضلة: ثلاثة.
جاء في الحديث الآخر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
🍀"يأتي زمان يغزو فئام من الناس فيقال: فيكم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم؟
فيقال: نعم؛ فيفتح عليه،
ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟
فيقال: نعم،
ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب أصحاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟
فيقال: نعم فيفتح"(حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وابن حبان).
وهم القرن الثالث.
فهذه القرون تسمى عند أهل العلم: القرون المفضلة،
وأفضلها القرن الأول الذي بُعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم،
وهم الصحابة كما تقدم في الحديث: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم،
إن بعدكم قوماً يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولايستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن "(حديث صحيح) .
🍄قال الإمام رحمه الله: (وكل من صحبه سنة، أو شهرا، أو يوما، أو ساعة، أو رآه: فهو من أصحابه،
له من الصحبة على قدر ما صحبه،
وكانت سابقته معه، وسمع منه ونظر إليه نظرة).
لا شك أن الصحابة يتفاوتون في الصحبة،
فالذي صحب النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين؛ أفضل من الذي صحبه تسع سنين،
والذي صحبه ثمان سنين؛ أفضل من الذي صحبه سبع سنين،
والذي صحبه سنة؛ أفضل من الذي صحبه شهرا؛
والذي صحبه شهرا، أفضل من الذي صحبه يوما أو يومين،
وعلى كل حال فإن الصحبة تحصل لمن لقي النبي صلى الله عليه وسلم؛ مؤمنا به، ومات على ذلك، ولو لحظة.
💐فالصواب في تعريف الصحابي كما ذكر ذلك الحافظ بن حجر -رحمه الله- في النخبة
أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به، ومات على الإسلام، ولو تخللته ردة.
فالقول بأنه: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا، هذا أولى من التعريف بأنه من رآه،
حتى يشمل ذلك: العميان الذين لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم،
مثل عبد الله بن أم مكتوم، فهو صحابي، لكنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لقيه، فالتعبير بـ لَقِيَ أشمل.
وتشمل الصحبةُ أيضا: أطفال الصحابة الذين حنكهم النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه.
فالأطفال الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم: صحابة، كمحمود بن الربيع،
قال: "عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجةً مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلوٍ"
كذلك عبد الله بن طلحة؛ حنكه النبي صلى الله عليه وسلم؛فهو صحابي صغير.
🍄قال المؤلف رحمه الله: "فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه،
ولو لقوا الله بجميع الأعمال".
يعني: التابعين الذين لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم،
فيكون أدنى الصحابة صحبةً، أفضل من التابعي الذي لقي الله بجميع الأعمال؛
🍄ولهذا قال: "ولو لقوا الله بجميع الأعمال، كان هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأه وسمعوا منه أفضل؛ لصحبته، من التابعين"؛
يعني: ولو عمل التابعي كل أعمال الخير، فواحد من الصحابة أفضل منه؛
لأن مزية الصحبة خاصة بالصحابة، لا يلحقهم من بعدهم.
وقد يفوق بعض التابعين بعض الصحابة في العمل، والعبادة،
كنوافل الصلوات، والتهجد، والصدقات، لكن لا يستطيع أن يصل إلى مزية الصحبة؛
لأن الصحبة خاصة بالصحابة، الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه، وسمعوا منه، ورأوه؛
فهؤلاء لهم فضل عظيم؛ لا يناله غيرهم.
فالصحابة أفضل الناس، لا كان ولا يكون بعدهم مثلهم، وهم خير الناس بعد الأنبياء،
فلا يمكن أن يلحقهم من بعدهم؛ لأنهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم، وجاهدوا معه، وشهدوا التنزيل؛
فهم أعلم بمعاني النصوص، ممن بعدهم، وبمعاني كتاب الله؛
لأنهم يشهدون نزول القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، يفسر لهم القرآن،
ويسألون عما أشكل عليهم.
فهذه المزايا لا يلحقهم فيها من بعدهم ولا يَشْرَكُونَهُمْ فيها،
وإن كان الصحابة أنفسهم يتفاوتون فيها.
ولهذا: لما أراد بعض الناس أن يقارن بين معاوية بن أبي سفيان الصحابي،
وبين عمر بن عبدالعزيز الورع الزاهد،
أجابه بعض العلماء: بأن الغبار الذي دخل في أنف معاوية في جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم،
قد يعدل بورع عمر بن عبدالعزيز وعدله.
************************
No comments:
Post a Comment