Wednesday, September 2, 2015

الدرس (٣٨) شرح أصول السنة

🌴الدرس (38) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله، 

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،

 

🌸الإيمان قول وعمل يزيد وينقص:

 

وقد تتبع البيهقي -رحمه الله- هذه الشعب من الكتاب والسنة، وأوصلها إلى أعلى الجمع، وهي تسع وسبعون؛

فألف كتاباً سماه "شُعب الإيمان"، وتتبعها من النصوص.

 

فالإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها: قول لا إله إلا الله، وهي قول باللسان، 

وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، وهذا عمل بدن، 

والحياء شعبة من الإيمان، وهذا عمل قلبي، وبين تلك الشُّعب: الأعلى والأدنى، شُعَبٌ أخرى، فالصلاة شعبة، والصيام شعبة، والزكاة شعبة، والحج شعبة، والأمر بالمعروف شعبة، والنهي عن المنكر شعبة، وهكذا، فكل هذه شعب داخلة في مسمى الإيمان. 

 

وفي الحديث الذي رواه الشيخان: لما قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه سلم، فقالوا: يا رسول الله، إن هذا الحي من ربيعة قد حالت بيننا وبينك كُفار مُضر، ولسنا نخلص إليك إلا في الشهر الحرام، فمرنا بشيء نأخذه عنك وندعو إليه مَنْ وراءنا.

قال: 🍀"آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلا الله، وعقد يده هكذا، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا ما غنمتم، وأنهاكم عن الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت. وقال سليمان وأبو النعمان عن حماد: الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله"(أخرجه البخاري).

 

ففسر الإيمان في هذا الحديث، بالعمل؛ 

فأدخل في الإيمان بالله: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء الخمس من المغنم، 

فكيف يقال بعد هذا: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان!!.

 

🚫وأما الخوارج والمعتزلة، فإن مذهبهم في مسمى الإيمان، هو مذهب أهل السنة والجماعة؛ لا يفترق.

ذلك أنهم يقولون: الإيمان قول باللسان، وعمل بالقلب، وعمل بالجوارح، 

لكن الفرق بينهم وبين أهل السنة والجماعة، 

أن أهل السنة والجماعة يقولون: إذا فعل الإنسان المعصية، نقص الإيمان وضعف، 

وأما الخوارج والمعتزلة فيقولون: إذا فعل الإنسان الكبيرة انتقض إيمانه وخرج من الإيمان؛

يعني: يخرج من الإيمان بالكبيرة؛ لأن الإيمان عندهم الإيمان شيء واحد، إذا زال: زال جميعُه،

وإذا ثبت: ثبت جميعه، لأنه لا يتبعض؛ ولأنه حقيقة مركبة، والحقيقة المركبة تزول بزوال أجزائها. 

 

🚫إذاَ فالخوارج مع قولهم: أن الإيمان قول وعمل، وتصديق، لكنهم يقولون: إذا فعل المرءُ الكبيرة؛ زال عنه الإيمان بالكلية؛ أي: خرج من الإيمان ودخل في الكفر، ويخلدون في النار. 

🚫والمعتزلة يقولون: يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر؛ فيكون في منزلة بين المنزلتين، 

يسمونه فاسقاً؛ لا هو مؤمن ولا هو كافر، ويخلدونه في النار؛ كالخوارج، وهذا من أبطل الباطل.

🚫أما مرجئة الفقهاء، وهم الإمام أبو حنيفة وغيره، فيقولون:الإيمان شيئان : إقرار اللسان وتصديق بالقلب. 

ويقولون: الأعمال ليست من الإيمان لكنها مطلوبة، 

فعندهم: أن الواجبات واجبات، والمحرمات محرمات، لكن لا نسميها إيمان، وإلا فهي مطلوبة، 

مثل: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج

 

وكذلك ترك المحرمات، فقالوا: المسلم مطلوب منه أن يترك المحرمات، مثل: شرب الخمر، والتعامل بالربا، ويترك الرشوة، لكن لا نسمي هذه إيماناً،

بل نقول: الإنسان عليه فعل الواجبات، وترك المحرمات، لكنها ليست من الإيمان.

💐وجمهور أهل السنة يقولون: الأعمال واجبة، وهي من الإيمان.

 

وعليه، فقد قيل: إن الخلاف بين مرجئة الفقهاء وبين الجمهور خلاف لفظي؛

لأن كلا من الطائفتين اتفقوا على أن الواجبات واجبات، 

واتفقوا على أن المحرمات محرمات، 

واتفقوا على أن الواجب يجب فعله، وأن من فعله يثاب، وأن من تركه فإنه ويعاقب، 

وكذلك المحرم يجب تركه، وأن من فعله يعاقب. هذا ما اتفقوا عليه، 

لكن اختلفوا في التسمية، فجمهور أهل السنة قالوا: نسميالأعمال إيمانا، والأحناف قالوا: لا نُسميها إيمانا. 

 

لكن التحقيق أن الخلاف ليس لفظياً، ويتبين ذلك من وجوه:

🌿أولاً: أن جمهور أهل السنة وافقوا الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى، 

ومرجئة الفقهاء وافقوا الكتاب والسنة في المعنى وخالفوهما في اللفظ، 

والواجب على المسلم أن يتأدب مع النصوص، وأن يوافق الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى، 

ولا يجوز له أن يخالفهما لا في اللفظ، ولا في المعنى.

 

🌿ثانيا: أن مرجئة الفقهاء في اختلافهم مع جمهور أهل السنة، فتحوا الباب للمرجئة المحضة، فدخلوا معهم؛

لما قالوا: إن الأعمال ليست من الإيمان، وإن كانت واجبة؛ فدخلت المرجئة المحضة الجهمية وقالوا: ليست واجبة.

 

🌿ثالثاً: أنهم فتحوا الباب للفساق، فيأتي الفاسق السكير العربيد فيقول: أنا مؤمن كامل الإيمان؛ إيماني كإيمان أبي بكر وعمر، وكإيمان جبريل، وميكائيل، 

فإذا قيل: كيف يكون إيمانك كإيمان أبي بكر، وعمر، أبو بكر، وعمر لهما أعمال عظيمة؟

فيقول: لأن الإيمان هو: التصديق فقط، ولا علاقة للعمل بالإيمان، وعلى هذا: فأنا مصدق وأبو بكر مصدق، فأنا وهم في هذا الأمر سواء!!.

 

🌿رابعاً: ومن ثمرات الخلاف بين مرجئة الفقهاء وجمهور أهل السنة: مسألة الاستثناء في الإيمان،

وهو أن يقول المسلم: أنا مؤمن إن شاء الله، 

فمرجئة الفقهاء يمنعون أن تقول: أنا مؤمن إن شاء الله، 

يقولون: لأنك بهذا: تشك في إيمانك؛ والإيمان شيء واحد وهو: التصديق،

وأنت تعرف من نفسك أنك مصدق، كما تعلم من نفسك أنك تحب الرسول، وتبغض اليهود،

فكيف تقول: أنا مؤمن إن شاء الله؟!

ولهذا يقولون: من قال: أنا مؤمن إن شاء الله، فقد شكَّ في إيمانه، ويسمونهم: الشكّاكة.

فيمنعون بناءً على أصلهم الفاسد هذا الاستثناء في الإيمان.

 

💐وأما جمهور أهل السنة فيفصلون، فيقولون: يجوز الاستثناء باعتبار، ولا يجوز باعتبار؛

فإذا قصد الإنسان الشك في أصل إيمانه، فلا يجوز له الاستثناء، فلا يقول أنا مؤمن إن شاء الله، 

أما إذا لم يرد الشك في أصل إيمانه، وأراد: أن الإيمان متعدد، وأنه شُعب،

وأن الإنسان لا يزكي نفسه، ولا يجزم بأنه أدى ما عليه؛ فإنه يستثني، 

ويجوز أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، ويكون الاستثناء راجعاً إلى شرائع الإيمان؛ لأنه متعدد،

والإنسان لا يجزم بأنه أدى ما عليه، ولا يزكي نفسه، 

بل يزري على نفسه فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ يعني: إن شاء الله كملتُ وأديتُ ما عليَّ. 

 

وكذلك إذا أراد بالاستثناء، التبرك بذكر اسم الله، فله أن يستثني فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله، 

وكذلك إذا أراد عدم علمه بالعاقبة، وأما إذا أراد الشك في أصل الإيمان فلا.

 

فهذه كلها من ثمرات الخلاف بين مرجئة الفقهاء، أبي حنيفة وأصحابه القائلين: بأن الإيمان: تصديق القلب، وإقرار باللسان،                                                    وبين جمهور أهل السنة القائلين: بأن الإيمان: قول، وعمل، ونية

 

*******************

No comments:

Post a Comment