🌴الدرس (31) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله،
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
🌸الإيمان بعذاب القبر
وقال - رحمه الله تعالى -: "والإيمان بعذاب القبر وأن هذه الأمة تفتتن في قبورها وتسأل عن الإيمان، والإسلام، ومن ربه، ومن نبيه؟ ويأتيه منكر ونكير كيف شاء الله عز وجل، وكيف أراد. والإيمان به والتصديق به".
ـــــــــــــــ
الشرح:
من أصول أهل السنة: كما قرر الإمام أحمد في هذه الرسالة: الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، على ما صحت به الأخبار.
من أصول أهل السنة، كما قرر الإمام أحمد في هذه الرسالة، من أصول أهل السنة الإيمان بعذاب القبر، والإيمان بعذاب القبر ونعيمه مما عليه أهل السنة الإيمان بعذاب القبر ونعيمه.
وقد دلت النصوص من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على إثبات عذاب القبر ونعيمه؛
من ذلك: قول الله تعالى: 🌹{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْقَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}(الأنعام 93).
فهذا اليوم الذي يكون فيه العذاب؛ عند خروج الروح. وهذا فيه إثبات عذاب القبر.
ومن الأدلة: قول الله تعالى :🌹 { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}(الأنفال 50)؛
أي: يضربون وجوههم وأدبارهم بعد خروج الروح، وهذا عذاب من عذاب القبر.
وقال سبحانه:🌹{ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(السجدة 21).
قيل: المراد من العذاب الأدنى: عذاب القبر، وبالعذاب الأكبر هو عذاب يوم القيامة،
وقيل: المراد بالعذاب الأدنى: ما أصاب الكفار من القتل والأسر يوم بدر،
وقيل: العذاب الأدنى هو عذاب القبر.
ومن الأدلة على عذاب القبر- وهو من الأدلة الصريحة الواضحة-،
قول الله تعالى في آل فرعون: 🌹{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًا ۖ }(غافر 46)،
ثم قال: 🌹{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴿٤٦﴾}(غافر 46)،
إذًا هذا العرض يكون قبل قيام الساعة؛ لأنه قال: 🌹{ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ }(غافر 46)،
بعدما ذكر الله قصة المؤمن من آل فرعون الذي فيه: 🌹{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ }(غافر 45)،
فوقاه الله، يعني: الرجل المؤمن من آل فرعون،
وقال بعد ذلك:🌹 {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴿٤٥﴾ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ ﴿٤٦﴾}(غافر 45-46)،
فهذا العرض يكون في القبر، والدليل: أنه قال بعدها: 🌹{ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}(غافر 46)،
إذاً: العرضُ على النار يكون قبل قيام الساعة، غدواً وعشياً،
ويوم تقوم الساعة يقال لهم: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب،
فهذا صريح في إثبات عذاب القبر، وأنهم يعذبون غدوًّا وعشيًّا.
ومن الأدلة أيضًا على نعيم القبر،
قوله تعالى: 🌹{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴿٣٠﴾ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴿٣١﴾ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴿٣٢﴾}(فصلت 30-32).
فالمؤمن يُبشر بثلاث بشارات: عند خروج الروح، تبشرهم الملائكة وتتنزل عليهم، وتقول لهم: لا تخافوا من أهوال يوم القيامة، ولا تخافوا من الشدائد، ولا تخافوا من عذاب القبر، ولا تخافوا من عذاب النار،
تُؤمِّنُ روعهم الملائكةُ؛ تؤمِّن روع من قالوا: {رَبُّنَا اللَّه}؛
يعني من قالوا: ربنا وإلهنا ومعبودنا بالحق؛ هو الله
🌹{ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } بالعمل، فـ 🌹{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا}(فصلت 30)
🌺هذه البشارة الأولى.
🌺البشارة الثانية في قوله:🌹 { وَلَا تَحْزَنُوا}(فصلت 30)؛
أي: على ما خلفتم من أموال وأولاد، فنحن نخلفكم في ذلك كله.
🌺والبشارة الثالثة:
في قوله: 🌹{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدونَ}(فصلت 30).
فهذه الآية وغيرها؛ من أدلة إثبات عذاب القبر ونعيمه في القرآن.
ووردت في السنة أيضًا أحاديث كثيرة، منها في الصحيحين وفي غيرهما،
وهو ما رواه الإمام مسلم، من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخلت عليَّ عجوزان من عجز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يُعَذَّبُون في قبورهم، قالت: فكذبتهما- ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا - ودخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله، إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا عليَّ فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال: "صدقتا، إنهم يعذبون عذابًا تسمعه البهائم"، ثم قالت: فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر .(حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم والسنائي).
ومن الأدلة ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 🍀"إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول:
اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال"
وهذا حديث ثابت في الصحيحين وغيرهما.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يُتعوذ في التشهد الأخير من أربع،
فإذا تشهد أحدنا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فليستعذ بالله من أربع؛
يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال)، وهذا عند جمهور العلماء، سنة مستحبة مؤكدة، والواجب التشهد: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله اللهم صل على محمد...)، وأما الدعاء، فهو مستحب.
🌼وذهب بعض العلماء، كطاوس بن كيسان اليماني، - من التابعين - إلى وجوب التعوذ بالله من هذه الأربع.
وثبت عنه أنه قال لابنه مرة لما صلى: هل استعذت بالله منأربع؟ قال: لا، قال: أعد صلاتك؛ أمره أن يعيد الصلاة، فدل على أنه يرى وجوب التعوذ بالله من هذه الأربع،
ولكن جمهور العلماء على أنه ليس بواجب وإنما مستحب.
والشاهد قوله: "ومن عذاب القبر"،وهو صريح في إثبات عذاب القبر.
ومن ذلك حديث البراء بن عازب المشهور الطويل قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولمَّا يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، وكأنما على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال:🍀 "استعيذوا بالله من عذاب القبر، - مرتين أو ثلاثًا"، هذا دليل على ثبوت عذاب القبر،
ثم قال: - 🍀"إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول : (أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان).
(قال: فتخرج) - يعني الروح – (تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء) – أي: من فم القربة، - (فيأخذها)؛ يعني: ملك الموت -، (فإذا أخذها لم يدعوها) -؛ يعني: الملائكة الذين يعاونونه – (في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط)، (ويخرج منها) -؛ يعني:من الروح – (كأطيب نفحة مسك وُجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها) -؛ يعني: إلى السماء – (فلا يمرون) -؛يعني: الروح - بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون لها فيفتح لهم، فيشيعها بكل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى.
قال: (فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيُجْلِسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما علمك؟) - يعني وما علمك بذلك – (فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتي رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي).
------------------------
No comments:
Post a Comment