🌴الدرس (39) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله،
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
كفر تارك الصلاة
🍄المتن: قال رحمه الله: "ومن ترك الصلاة فقد كفر، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة، من تركها فهو كافر، وقد أحل الله قتله".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح:
🍄من أصول السنة كما قال الإمام أحمد: أن مَنْ ترك الصلاة: فقد كفر؛
إذ ليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة؛ فمن تركها فهو كافر، وقد أحل الله قتله.
هذا دليل على أن الإمام أحمد -رحمه الله- يُكَفِّرُ تاركَالصلاة؛
لأنه – كما هاهنا - ، يقول: من ترك الصلاة فقد كفر؛
يعني: كفراً أكبر مخرجاً من الملة.
هذا معنى 🍄قوله: "وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة"؛
لأن هناك من الأعمال ما فِعْله كفر، لكنه لا يُخرج من الملة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت"(حديث صحيح أخرجه مسلم وأحمد والبيهقي)،
سماهما النبي - عليه الصلاة والسلام – كفرا، ولكنهما لا يُخرجان مَنْ فعلهما من الملة.
🍄وقوله: "وقد أحل الله قتله" واضحٌ معناهُ،
وأنَّ من صلى فلا يُقتل كما يفيدُه مفهومٌ المخالفة؛
ولهذا قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: 🍀"نُهيتُ عن قتل المصلي"؛
فدل على أن الذي لا يصلي لم يُنْهَ عن قتله، وإنما يُقتل.
ومسألة ترك الصلاة فيه تفصيل للعلماء، وهي على حالتين:
🌿الحالة الأولى: أن يتركها جحدا لوجوبها؛ فإذا تركها جاحدا لوجوبها، فهذا كافر بإجماع المسلمين، من غير خلاف؛
لأنه أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة، هو: وجوب الصلاة،
وهذه قاعدة عند أهل العلم: أن من أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة وُجُوبه: كفر،
مثل لو أنكر وجوب الزكاة، واعتقد أنها غير واجبة؛ فإنه يكفر،
وكذا لو أنكر وجوب الصوم، أو وجوب الحج: فهو كافرٌ؛
لأن هذه أمور معلوم من الدين بالضرورة: وجوبها؛
إذ لم يخالف أحدٌ في وجوب الصلاة، أو في وجوب الزكاة، أو في وجوب الصوم، أو في وجوب الحج.
لكن لو أنكر إنسان وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل،هل يكفر ؟
لا يكفر؛ لأن انتقاذ الوضوء بأكل لحم الجزور فيه خلاف بين أهل العلم،
فبعضُ العلماء يرى الوضوء منه، وبعضهم لا يرى ذلك،
فهذه مسألة خلافية، ليست وفاقيّة،
لكن هل قال أحد منهم: إن الصلاة غير واجبة،
أم أنهم أجمعوا على وجوبها، كما أجمعوا على وجوب الزكاة، والصوم، والحج،
وأجمعوا على تحريم الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم والغيبة، والنميمة،
فكل هذه الأمور معلومة من الدين بالضرورة، إما إيجابها، أو تحريمها؛
فَمُنْكِرُ ذلك: كافرٌ بإجماع أهل الإسلام.
لكن لو أنكر تحريم الدخان، فقال: الدخان ليس بحرام، فهل يكفر؟ لا يَكْفُر!!
لماذا إذا أنكر تحريم الخمر يكفر، وإذا أنكر تحريم الدخان لا يكفر ؟
الجواب: لأن الخمر مجمع على تحريمها، وأما الدخان ففيه شبهة، فيه شبهة؛
لأن هناك من يُفتي بإباحته، فتحصل له الشبهة بذلك،
وإلا فالصواب أن الدخان حرام، وأنه لا شك في تحريمه؛
لأنه ضار بالصحة، والمال، والبدن، ولأنه منتن الرائحة، ولأن فيه من تضييع المال ما فيه،
ومن الناس من يرى أنه يُسكر، وذلك أنه إذا تأخر عن شُربِهِ ثم شَرِبَهُ فإنه يحصل له غيبوبة،
وهذا نوع من السكر، لكن متعاضيه له شبهة، كما تقدم.
فالحاصل: أنه إذا أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة وجوبه أو تحريمه: فإنه يكفر.
🌿الحالة الثانية: أن يترك الصلاة مع الإقرار بوجوبها،
فيعتقد أن الصلاة واجبة، ومفروضة، ويرى أنه مستحق للعقوبة بِتَرْكِها،
لكن تركها كسلا وتهاونا، فهل يكفر أو لا يكفر ؟
هذا محل خلاف بين الأئمة، فالإمام أحمد يرى أنه يكفر ولو لم يجحد وجوبها،
ولهذا قال: 🍄"ومن ترك الصلاة فقد كفر، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة، من تركها فهو كافر، وقد أحل الله قتله".
وهذا القول الذي ذهب إليه الإمام أحمد بتكفير تارك الصلاة كسلا؛
هو الذي أجمع عليه الصحابة، وأشار الإمام أحمد إلى الإجماع الذي نقله عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل الذي يقول: "ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة"(أخرجه الترمذي والحاكم).
ونقل الإجماع أيضا إسحاق بن راهويه، والإمام أبو محمد بن حزم،
فقالوا: إجماع العلماء على أن ترك الصلاة كسلا وتهاونا يكون كفرا مخرجاً من الملة.
فإذاً: قد أجمع الصحابة على هذا، وكذلك روى الحاكم في مستدركه أن ترك الصلاة كفر، عن بعض الصحابة.
فمن أدلة مَنْ يقول بكفر تارك الصلاة تهاونا وكسلاً؛ قول عبد الله بن شقيق المتقدم،
وحديث بريدة بن حصين الذي رواه الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 🍀"من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" والذي يحبط عمله هو الكافر.
قال الله تعالى:🌹 {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة 5)،
واستدلوا أيضاً بما رواه الإمام مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال🍀: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة"(أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد)
فجعل ترك الصلاة حداً فاصلاً بين الإسلام وبين الكفر، والبَيْنِيَّةُ تَفْصِلُ ما بين الشيء والشيء.
وكذلك استدلوا بالحديث الذي رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن، بسند جيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:🍀 "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"،
فجعل الصلاة حداً فاصلاً بين أهل الإيمان والكفر.
واستدلوا أيضاً بحديث:🌸 "من ترك صلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله"،
واستدلوا أيضا بحديث: النهي عن الخروج على الأمراء، وفيه:🌸 "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان"؛ يعني: واضحا لا لبس فيه.
ثم قال في الحديث الآخر الذي رواه الإمام مسلم، من حديث عوف بن مالك الأشجعي: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم"(أخرجه مسلم والدارمي وأحمد)،
يعني: تدعون لهم، ويدعون لكم- "وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم"،
قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة" "قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة"،
فنهى نهى عن الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة،
فدل ذلك على أنهم إذا لم يقيموا الصلاة؛ فيجوز الخروج عليهم.
فإذا ضممت هذا الحديث: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة"
وفي لفظ: "لا ما صلوا" مع أحاديث النهي عن الخروج على الأمراء "إلا أن تروا كفرا بواحا"،
إذا جمعت بينهما؛ دل على أن ترك الصلاة كفرٌ بواح.
ومن ترك الصلاة فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل كفرا،
وحينئذ لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يُدفن مع المسلمين في مقابرهم، بل تُرمى جيفته كجيفة الحمار أو الكلب، والعياذ بالله، ويُحفر له حفرة حتى لا يؤذي الناس بنتنه.
وذهب الفقهاء المتأخرون إلى أن ترك الصلاة كسلا وتهاونا لا يكون كفرا أكبر، وإنما يكون كفرا أصغر،
واستدلوا بأن معه شعبة من شعب الإيمان، وهو التصديق،
وقالوا: كيف نجعله مثل المكذب، فالمكذب هذا جاحد كافر، وهذا مؤمن يصدق بالصلاة ويقول: أنا أشهد أن الصلاة واجبة، لكنه تركها كسلا، فمثل هذا لا يكفر؛ لأن معه شعبة من شعب التصديق، ولأن الصلاة عمل، فلا يكون كفره كفرا مخرجا من الملة، بل كفراً أصغر.
وهذا حُكمه أن يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل حدا، وإذا قُتِلَ فإنه يُصلى عليه؛ لأنه قُتل حدا.
هذا ما ذهب إليه كثير من الفقهاء المتأخرين من الشافعية، والحنفية، والمالكية، والحنابلة،
يرون أن ترك الصلاة كسلا وتهاونا؛ لا يُخرج من الملة. لكن أي القولين أصوب؟
الله تعالى يقول🌹:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}(النساء 59)،
ونحن إذا رددنا هذه المسألة إلى النصوص، وجدنا أن النصوص، تؤيد القول الأول، وهو القول بكفر تارك الصلاة كَسَلاً وتهاوناً.
وحكم الحاكم عند أهل العلم يرفع الخلاف، فإذا رُفِعَ إلى القاضي رجل لا يصلي، فنقول: إن حكم عليه بالكفر الأكبر وقتله على أنه مرتد؛ فإنه يكون مرتدا، وإن حكم عليه بأنه يقتل حدا يكون كفره كفرا أصغر؛ لأن القاعدة عند أهل العلم أن حكم الحاكم يرفع الخلاف،
وهنا مسألة: وهي: إذا قلنا بأنَّ تارك الصلاة يكفر، فهل يكفر بترك الصلوات كلها، أو بترك بعضها؟
على قولين:
🌼قال بعض العلماء: إنه لا يكفر حتى يترك الصلوات كلها، أما إذا كان يصلي ويترك: فلا يكفر، بل لا بد أن يترك الصلوات كلها.
🌼وقال آخرون من أهل العلم: إنه يكفر ولو ترك فرضا واحدا عامدا متعمدا؛ فإذا ترك فرضاً واحداً متعمداً حتى خرج الوقت، وليس له عذر في ذلك؛ أي: ليس متأولا، ولا ناسيا، ولا نائما نوم يُعذر فيه، قالوا: بكُفْرِه،
وعلى هذا: فالذي يؤخر صلاة الفجر ولا يصليها إلا بعد شروق الشمس متعمدا، كما يفعل بعض الناس، فإنه يكفر على هذا القول؛ لأن بعض الناس يضبط الساعة على وقت العمل، ولا يستيقظ إلا بعد شروق الشمس، ويستمر على هذا الأمر ويعتادُه، حتى إنه إذا نُبِّه وحُذِّر لم يلْتفتْ ولم يكترث.
فمثل هذا كَفَّرَهُ جمع من أهل العلم، منهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- أفتى بأن الذي يؤخر الصلاة عن وقتها باستمرار، بحيث يكون ذلك ديدنه وعادته؛ فإنه يكفر والعياذ بالله.
--------------------------