🌴الدرس (30) لكتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى تأليف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله،
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
تابع: 🌸الإيمان بالحوض
والإيمان بالحوض وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضًا يوم القيامة ترد عليه أمته، عرضه مثل طوله، مسيرة شهر، آنيته كعدد نجوم السماء، على ما صحت به الأخبار من غير وجه.
------------------------------
فأول شيء من أمور الآخرة: النفخ في الصور- نفخة الصعق، ثم نفخة البعث -، ثم بعث الأجساد،
ثم الوقوف بين يدي الله للحساب،
يقف الناس وتدنو الشمس من رءوسهم،
ويُزاد في حرارتها حتى يلجمهم العرق على حسب الأعمال،
فمنهم من يلجمه العرق إلى ركبتيه، وإلى حقويه،
ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا،
ومنهم من يذهب عرقه مسافات في الأرض،
ثم تكون الشفاعة بعدما يفزع الناس إلى الأنبياء،
ويتأخر عنها آدم، وأولو العزم: نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى،ثم عيسى - عليهم الصلاة والسلام –
فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم للناس.
هذه الشفاعة العظمى في موقف القيامة،
وهي المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون،
وهذه الشفاعة للمؤمن والكافر- لجميع الأمم –
وهي إراحةُ الناس من الموقف،
فيحاسبهم الله كلهم في وقت واحد،
لا يلهيه شأن عن شأن؛ لأنه الخالق - سبحانه وتعالى-
أما المخلوق الضعيف فلا يستطيع أن يكلم اثنين في وقت واحد، أو ثلاثة،
لكن الخالق يحاسبهم في وقت واحد،
كما أنه يخلقهم ويزقهم في وقت واحد،
ويفرغ منهم في قدر منتصف النهار،
ففي هذا المقدار من الوقت، ينتهي من حسابهم حتى يصل أهل الجنة الجنة، ويصلونها في وقت القيلولة
قال تعالى:🌹 { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴿٢٤﴾}(الفرقان 24).
ثم بعد ذلك تتطاير الصحف، 🌺فآخذ صحيفته بيده اليمنى؛مستبشرًا،
وكل من لقيه يريه إيَّاها،
يقول: 🌹{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴿١٩﴾ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴿٢٠﴾}(الحاقة 19-20)
ومعنى ظننت: تيقنت؛ فالظن يعني اليقين هنا.
ثم قال تعالى: 🌹{ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴿٢١﴾ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴿٢٢﴾قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ﴿٢٣﴾ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴿٢٤﴾}(الحاقة 21-24).
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
🚫وأما الصنف الثاني وهم أصحاب الشمال
فيُعطى كل واحد منهم صحيفته بيده الشمال؛ ملوية وراء ظهره؛
قال تعالى:🌹 { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ}(الحاقة 25)
فإنه سيندم أشد الندم ويقول:🌹 {يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ﴿٢٥﴾ وَلَمْ أَدْرِ مَاحِسَابِيَهْ ﴿٢٦﴾ يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴿٢٧﴾ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ۜ ﴿٢٨﴾هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴿٢٩﴾}(الحاقة 25-29)
قال الله: 🌹{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴿٣٠﴾ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴿٣١﴾ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ﴿٣٢﴾}(الحاقى 30-32).
ثم ذكر تعالى أعماله الخبيثة التي استحق بها دخول النار،
فقال: 🌹{إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ}(الحاقة 33)؛
أي: ينكر البعث ولا يؤمن به، 🌹{ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴿٣٤﴾}(الحاقة 34)
قال الله:🌹 { فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ﴿٣٥﴾ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ﴿٣٦﴾ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ ﴿٣٧﴾}(الحاقة 35-37).
وقال تعالى:🌹{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ﴿١٠﴾ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ﴿١١﴾ وَيَصْلَى سَعِيرًا ﴿١٢﴾}الانشقاق 10-12).
فيعطى كتابه بشماله، ملوية وراء ظهره – نعوذ بالله من ذلك –
إذاً: فترتيب أمور الآخرة كالآتي: نفخة الصعق والموت، ثم نفخة البعث، ثم بعث الأجساد، ثم الوقوف بين يدي الله للحساب، ثم أخذ الكتاب بالأيمان وبالشمائل، ثم بعد ذلك الورود على الحوض؛ يَرُهُ الناسُ،
🍒وهذا هو الصحيح؛ لأن المعنى يقتضي هذا قبل الميزان.
🌼وقال بعض العلماء: وزن الأعمال يكون قبل الورود على الحوض،
والصواب أن الحوض قبل الميزان، لأمرين:
🍂الأمر الأول: أن الناس يَرِدُون عطشى؛
فيناسب ذلك ورودهم على الحوض أولاً.
🍂والأمر الثاني: أنه ثبت في الحديث الصحيح أنه يَطرد قوم ويذادون عن الحوض،
ولو كان الورود على الحوض بعد الوزن؛
لعرف الذين خف ميزانهم أنهم لا يَرِدُون على الحوض،
فلما وردوا على الحوض وطُردوا؛ دلَّ على أنه قبل الميزان.
ثم بعد الحوض يكون وزن الإعمال،
ثم المرور على الصراط الذي يُنصب على متن جهنم، ثم الجنة أو النار.
🍒هذا الترتيب الصحيح: نفخة الصعق،
ثم نفخة البعث،
ثم البعث وهو النشر – نشر العباد -،
ثم الحشر،
ثم الشفاعة – الشفاعة العظمى –
ثم أخذ الكتاب بالإيمان وبالشمائل،
ثم الورود على الحوض،
ثم وزن الأعمال،
ثم المرور على الصراط،
ثم الجنة أو النار؛ عشرة أشياء.
🌼وقال بعض العلماء: وزن الأعمال قبل الورود على الحوض،
🍒والصواب كما سبق: أن الحوض قبلُ.
🌼وقال آخرون: الورود على الصراط قبل الحوض.
واستدلوا ببعض النصوص منها: عن أنس قال: سألت نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة
قال: قلت: يا رسول الله فأين أطلبك؟
قال:"أطلبني أول ما تطلبني على الصراط" قال: قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟
قال: "فاطلبني عند الميزان"، قلت: فإن لم ألقاك عند الميزان؟
قال: "فاطلبني عند الحوض، فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن".
🌼قال بعض العلماء: إن الناس يمرون على الصراط،
ثم بعد تجاوز الصراط يردون على الحوض، 🚫وهذا مرجوح،
🍒الصواب أن الورود على الحوض قبل الصراط؛
لأنه لو كان الورود على الحوض بعد الصراط، لكان الحوض بعد الصراط،
والصراط منصوب على متن جهنم،
والحوض يصب فيه ميزابان من نهر الجنة،
فتكون النار تحول بين الميزابين اللذين يصبان في الحوض.
فلو كان بعد المرور على الصراط – والصراط منصوب على متن جهنم، والحوض بعد ذلك -:
لصارت النار تحول بين الحوض وبين الميزابين اللذين يصبان فيه.
🌼وقال بعض العلماء: أن الحوض طويل؛
فالناس يمرون على الصراط، ثم إذا انتهوا من الصراط، ظهر لهم طرف الحوض،
🌼وقال آخرون: أنهم يردون على حوض بعد الصراط، وقبل الصراط،
🚫وكل هذه أقوال ضعيفة؛
لأن الحوض في موقف القيامة،
والصراط منصوب على متن جهنم، ومن تجاوزه وصل إلى الجنة،
ولا يرجع مرة أخرى إلى الموقف.
وهناك قنطرة يحاسب فيها المؤمنون،
ثم يدخلون الجنة، فلا يرجعون مرة أخرى إلى الحوض؛
لأن الحوض في الموقف،
فدل على أن الحوض أول قبل الصراط،
🍒هذا هو الصواب في الترتيب. والله أعلم.
*****************